الحلم المغربي…"من ركام زلزال الحوز إلى ملعب طنجة الكبير..كأس العالم على أرضنا يا ياسين!"

المغرب, منذ 1 عام و 0 شهر عمر الشرايبي

بين أنقاض أعنف زلزال ضرب المغرب منذ عقود، أطفال من منطقة الحوز يداعبون الكرة أمام عدسة كاميرا النشرة الإخبارية المسائية للقناة الأولى، وكلهم أمل في غد أفضل..ما هي إلا أسابيع مرت، وقد أتى الخبر  السار من زيوريخ السويسرية، حيث صادق مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على الملف المشترك بين دول إسبانيا والبرتغال والمغرب، مرشحا وحيدا لتنظيم نهائيات كأس العالم لعام 2030.

 

"هو حلم طفل صغير يتحقق..حلم شعب يعشق كرة القدم إلى حد الجنون"، هكذا علق سعد، 30 سنة، صحافي مغربي، على خبر إسناد تنظيم نهائيات كأس العالم للمغرب، بعد طول انتظار استمر لأزيد من 35 سنة، حكاية الحلم المغربي الذي بدأ في "مكسيكو 1986".

 

قبل "بانينكا" أشرف حكيمي في مرمى إسبانيا أو بعدها رأسية يوسف النصيري في مرمى البرتغال، خلال نهائيات كأس العالم الأخيرة بقطر، عاش الجيل الحالي المتتبع لكرة القدم المغربية، على مدار أزيد من ثلاث عقود، على أطلال إنجاز المنتخب الوطني في نهائيات كأس العالم 1986 بالمكسيك، حين كتب التاريخ أننا أول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى الدور الثاني للعرس الكروي العالمي.

 

حتى من لم يشاهد المباريات حينها، يقشعر بدنه عند سماع صوت التعليق على هدف عبد الرزاق خيري في مرمى البرتغال، كان ذلك خلال فترة الحجر الصحي الذي فرضته جائحة "كوفيد 19"، حين قرر التلفزيون المغربي بث المباريات التاريخية للمنتخب الوطني كوسيلة للصمود أمام الظرف الصحي القاهر.

 

ليلة السادس من دجنبر 2022، هنا قاعة الندوات الصحافية بملعب "المدينة التعليمية"، أخدت مكاني في الصف الثاني ولم أستوعب بعد حجم اللحظة التي نحن بصدد عيشها، على غرار الزملاء المغاربة الحاضرين، لم نتوقع أننا تمكنا من إقصاء المنتخب الإسباني والعبور إلى دور ربع نهائي "المونديال".

 

عادة ما يكون المشهد "كلاسيكيا"؛ الصحافي يأخد الميكروفون لطرح السؤال والمدرب يجيب، هكذا جرى العرف في الندوات الصحافية... في اليوم التالي، عنونت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالا لها "إن كنت تعتقد أن المشجعين المغاربة مثأثرون، كان يجب عليك أن ترى ما حدث في الندوة الصحافية".

 

"ياسين ووليد، ليس لدي أسئلة، أريد فقط أن أقول لكم شكرا. أشكركم لأن هذا لم يحدث مطلقا في كرة القدم المغربية. لقد كسبتم مجددا ثقة جيل بأكمله في المغرب، 40 مليون مغربي سعداء اليوم..خلدتم صفحة في تاريخ المغرب"، هكذا كان تدخل الصحافي أحمد طلال، والدموع تغالب عينيه، في حضرة الناخب الوطني وليد الركراكي والحارس ياسين بونو.

 

لم يقف الأمر هنا، تناولت بدوري الكلمة، أبلغت للمدرب رسالة شكر نيابة عن أسرتي وأقربائي الذين يقضون ليلة بيضاء في شوارع المملكة فرحا بالإنجاز التاريخي، ثم طلبت من الركراكي أن تكون هدية عيد ميلادي الثلاثين، تأهلا تاريخيا أمام منتخب البرتغال في دور ربع النهائي، أياما قليلة بعد ذلك..وهو ما تحقق ليلة العاشر من دجنبر، فكانت أفضل ذكرى ميلاد أعيشها مع فرحة وطن بأكمله.

 

على مدار التاريخ، علاقة وطيدة تربط المغاربة بلعبة كرة القدم، كما هو ارتباطهم العاطفي بها كلما تعلق الشأن بالمنتخب الوطني، حتى وإن تنوعت الميولات الكروية على مدار السنوات، بين عاشق للرجاء ومتيم بحب الوداد، فإن صلاح الدين بصير كان يوحد الأخضر والأحمر، كما هو ياسين بونو اليوم وهو يرفع راية المغرب عاليا في سماء جوائز الكرة الذهبية.

 

حتى ياسين، طفل منطقة الحوز، الذي فقد والديه تحت ركام منزله المدمر  بفعل الزلزال، في ليلة 8 شتنبر السوداء، هو اليوم يعيش من أجل كرة القدم، بعد أن تبنته إدارة نادي الرجاء الرياضي البيضاوي ليتابع تكوينه داخل أكاديمية النادي..فمهما بعدت المسافات واختلفت السبل، ظلت كرة القدم تلعب دورا مجتمعيا بعيدا عن كونها وسيلة للترفيه.

 

احتضان المغرب لكأس العالم، بعد أن مر من مخاض عسير، عاش معه المغاربة واقع أحلام متجددة عبر سنوات، لم نستفق معها سوى على كوابيس خسارة الرهان؛ 1994 أمام الولايات المتحدة الأمريكية، في 1998 أمام فرنسا، 2006  أمام ألمانيا، 2010 أمام جنوب إفريقيا ثم 2026   أمام الملف الأمريكي المشترك.

 

بتاريخ رابع أكتوبر 2023، أفاد بلاغ للديوان الملكي المغربي، أن اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، قد قررت بالإجماع، اختيار الملف المشترك؛ المغرب وإسبانيا والبرتغال، مرشح واحد لاستضافة نهائيات كأس العالم للرجال سنة 2030.

 

لحظة ينتظرها المغاربة منذ سنوات وحلم تجدد مع إعلان المغرب، في 14 مارس من نفس السنة، تقديم ملف ترشحه إلى جانب كل من اسبانيا والبرتغال، في رسالة ملكية، تلاها شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، على هامش حفل جوائز الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم "كاف".

 

ارتجت الأرض بقوة 6 درجات، فتحول الحوز المغربي إلى مركز أنظار العالم، إلا أنه خلف مأساته الإنسانية والدمار الهائل الذي تركه الزلزال، شهد الجميع على ناشئة تعشق كرة القدم، في لباسها، شعارات الجدران أو ارتسامات الأطفال ببراءة الصغر..جعل أطفال إيسني، ويركان وثلاث يعقوب..(جعلوا) من كرة القدم متتفسا يحد من وطأ المعاناة ورأووا في مداعبة المستديرة وسيلة لتناسي مشاقها، كما هم ملايين المغاربة يترجون في تنظيم "المونديال" على أرض الرباط وطنجة، ومضة أمل متجدد في مستقبل أفضل.

 

نعم يا ياسين..فقد تحقق الحلم المغربي لجيل بأكمله، كأس العالم لكرة القدم ستحط رحالها على أرضنا سنة 2030 !

نشر بتاريخ 01/11/2023