أحدث اعتقال سعيد الناصيري رئيس نادي الوداد الرياضي، رجة داخل أوساط كرة القدم المغربية، حيث أعاد تورطه مع بارون المخدرات "المالي"، إلى الأذهان قصة بابلو إيسكوبار مع نادي أتليتيكو ناسيونال دي ميديلين، وكيف غير وجه اللعبة في كولومبيا، خلال حقبة تلطخت فيها الكرة بالدم.
أفيون الشعوب:
تفطن بابلو إسكوبار إلى أن الاتجار و ترويج المخدرات، لن يكون كافيا لفرض سطوته على كولومبيا والحفاظ على مصالحه، لذلك قرر الدخول إلى عالم السياسة لتلميع صورته، ولأن كرة القدم "أفيون الشعوب"، وجد فيها بارون المخدرات ضالته لكسب شعبية واسعة والحصول على دعم شعبي أقوى.
شرع إسكوبار في إنشاء الملاعب، وترأس نادي أتليتيكو ناسيونال، الذي أنقذه من التخبط في النتائج السلبية إلى حصد الألقاب، وعلى رأسها لقب كوبا ليبرتادوريس سنة 1989، ليكون بذلك أول فريق كولومبي يتوج بهذه المسابقة القارية، مستعملا في ذلك جميع أنواع الأساليب الملتوية والإجرامية لبلوغ مبتغاه.
كرة القدم والمخدرات:
بدخوله في عالم كرة القدم، غير بابلو وجه اللعبة في كولومبيا بشكل غير مسبوق، حيث سخر أموال المخدرات لشراء نجوم المستديرة، ورشوة الحكام من جهة وتهديدهم من جهة أخرى، مستعملا سياسته الشهيرة "بلاتا أو بلومو" (المال أو الرصاص)، ليخلق بعدها جوا من الترهيب والخوف يحيط بكل من يفكر في الوقوف بوجه الفريق.
إيسكوبار استغل كرة القدم بشكل عكسي، إذ تمكن من تبييض أموال المخدرات، عبر مداخيل النادي وأموال المستشهرين، ليزداد بذلك نفوذا وشعبية، وهو ما تحول إلى حالة عدوى لدى تجار مخدرات أخرين، الذين حولوا اهتمامهم إلى كرة القدم ودعم أندية مختلفة في كولومبيا.
فساد وعنف.. انحدار الكرة الكولومبية:
سعى بابلو إلى شراء جميع الأصوات، وإسكات تلك التي ترفض المساومة في المقابل، فكانت الأقلام المأجورة تدافع عنه باستماتة وتتغنى بإنجازاته، وتغطي عن زلاته، في الوقت الذي أصدر أشهر تاجر مخدرات حكمه باغتيال الحكم ألبارو أورتيغا بسبب قرارات أدت لخسارة فريقه المفضل أتلتيكو ناسيونال أمام أميركا دي كالي، وهو الحدث الذي دفع بمجموعة من الحكام إلى الاستقالة أو الخضوع خوفا من بطشه.
وفاة إسكوبار لم تسقط فريق أتليتيكو ناسيونال فقط، بل سمحت لصديق الأمس أن يصبح عدو اليوم، حيث هاجمته أقلام الصحافة وألسنة المناصرين، وعرفت كرة القدم الكولومبية القدم انحدارا مزلزلا، بعد اختفاء رؤوس الأموال، الأمر الذي أدى لرحيل اللاعبين الأجانب وانخفاض الرواتب، وعودة الدوري المحلي إلى سابق عهده.
الصعود المفاجئ تلاه نزول يشبهه، ولكن إرث العنف والقتل والفساد الذي تركه إسكوبار، لطخ تاريخ كرة القدم الكولومبية إلى الأبد، وما زالت البلاد تعاني من تبعاته إلى اليوم.
الناصيري والكرة المغربية:
لا شك أن هناك أوجه اختلاف بين قصة إسكوبار وسعيد الناصيري، باعتبار أن المملكة المغربية بلاد تكرس جهودها للحفاظ على أمن وأمان المواطنين، ومحاربة أشكال الفساد في جميع القطاعات، لكن من المؤكد أن أزمة الناصيري ستلقي بضلالها على مستقبل الوداد الرياضي.
فالرئيس المسجون رتب صعودا سريعا للفريق الأحمر، الذي غاب عن منصة التتويج الإفريقية منذ سنة 1992، التي أحرز فيها أول لقب دوري أبطال إفريقيا، قبل أن يعود في مناسبتين سنة 2017 و2022 خلال عهد الناصيري، حيث كان لهذا الأخير الفضل الكبير في انتداب اللاعبين، والدفاع عن مصالح النادي أمام الأجهز الكروية المحلية والدولية.
رغم أن الأحكام القانونية لا تزال مجهولة في هذه النازلة، إلا أن عدم انعقاد الجموع العامة وغياب التقارير المالية والأدبية، إلى جانب اعتراف رئيس الفريق بتعرضه للمشاكل بسبب "تلقي أموال لصالح الوداد من بعض الأشخاص"، كلها معطيات تضع عدة علامات استفهام أمام وضعية الوداد المادية وميزانية تسيير النادي خلال فترة تولي الناصيري الرئاسة، وهي الأسباب التي يرى متتبعون أنها تستوجب التحقيق، حتى يضمن كل ذي حق حقه.